21 أكتوبر 2025

العلاقات السامة - كيف تكسر الحلقة وتُحرّر نفسك

blog

العلاقات السامة ، الشخصية النرجسية، التعامل مع الزوج الأناني!

وغيرها الكثير والكثير من المصطلحات التي أصبحنا نسمعها في الآونة الأخيرة وتجعلنا نشعر وكأننا نشاهد فيلم رعب وننتظر نهايته الأكثر رعبًا!

هذه المصطلحات تعمّق الشعور أكثر بأننا ضحية مغلوب على أمرنا، ونعيش بانتظار أن يختفي سم العلاقة، أو أن يتغير المحيطين بنا، فنبقى عالقين لسنوات وسنوات بحثًا عن مخرج ولا نجد، ببساطة لأننا نريد أن نغيّر شيء خارجي لا يمكننا التحكّم به، بدلًا من أن نركز على أنفسنا ونعمل على تزكيتها في كل يوم أكثر وأكثر..

 

قال الله سبحانه في القرآن الكريم:

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، وجاء في الإنجيل: "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تُفَكِّرُ فِيهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهُوَذَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ." (إنجيل متى 7: 3-5)

فلماذا تنسى نفسك وتركّز على غيرك!

العلاقات السامة

هل لاحظت يومًا أنك، رغم اختلاف الأشخاص والأماكن، تقع في نفس نوعية العلاقات أو تمر بنفس المشاعر؟ كأن الحياة تكرر عليك نفس الفيلم، مع تغيير الممثلين فقط! كثيرون يتساءلون: "لماذا أجد نفسي دائمًا مع شخص ينتقدني؟" أو "لماذا أختار دومًا من لا يقدّرني؟"

السر هنا ليس في سوء حظك أو قسوة العالم، أو في (السم) الذي في العلاقة، بل في الدروس التي لم تكتمل بعد داخل نفسك.

 

لهذا ينبغي أن تنتبه بشدة للمسميات التي تسميها، ففي الحقيقة أن هذه العلاقة ليست سامة، بل لا توجد علاقة سامة أبدًا، وإنما نشأ السم من تسميتك وطريقة تفكيرك، وجاءت هذه العلاقة لتنبّهك لنقطة ضعف لديك، ولكنك رفضتها فبرفضك زاد ألمك ثم قمت بتسميتها علاقة سامة!

ينبغي أن تعلم أنك فور تبنّيك لهذا الاسم وإيمانك به، سوف يتجلى في حياتك بصور كثيرة وكبيرة حتى تقوم بتعديل هذا الاسم..

 

كل علاقة متكررة هي رسالة لم تفتحها بعد. أحيانًا، تحمل في داخلك اعتقادًا قديمًا عن نفسك – ربما أنك لا تستحق الحب الكامل، أو أنك يجب أن تُرضي الجميع حتى تُقبَل – فتجذب لحياتك من يعكس لك هذا الاعتقاد، ليس ليعذّبك، بل ليوقظك.

نحن في هذه الرحلة الأرضية لكي نتزكى، ولهذا سوف تعاد المواقف عليك مرات عديدة حتى تنتبه وتتزكى من الداخل وهذا من كرم ولطف الخالق الذي يعطيك الدروس متدرّجة كي تنتبه سريعًا وكلما زاد الألم ستعلم أنك لم تدرك الدرس بعد فتشحذ الهمة وتزيد التركيز حتى تتزكى وعندها سوف يختفي الموقف لتدخل إلى مرحلة وعي أعلى بتجارب أعلى لحياة أروع وهكذا. 

 

وكأن العلاقات المتكررة تقول لك:

"هل أنت مستعد الآن لتكسر الحلقة؟ هل ستختار أن تحب نفسك أكثر، وتضع حدودك، وتسامح ذاتك على الماضي؟"


أنواع العلاقات - كيف تعكس مرآتك الداخلية؟

تأمل قليلًا في العلاقات من حولك. تخيّل أن كل شخص تلتقيه في حياتك هو بمثابة مرآة، تعكس لك جزءًا من نفسك، ربما لم تكن تراه أو لم ترغب في رؤيته. أحيانًا تبتسم لك هذه المرآة، وأحيانًا أخرى تريك ملامح تحتاج منك إلى تعديل أو تصحيح. العلاقات ليست "سامة" أو "نرجسية" أو "مستنزِفة" كما اعتدنا أن نصفها، بل هي إشارات لطيفة – أو أحيانًا قوية – تدعوك لاكتشاف ما في داخلك.

كما يقول الله سبحانه:

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

والكتاب المقدس يؤكد:

"لاَ تَكُونُوا تُشَابِهُونَ هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ" (رومية 12: 2).

فالتغيير يبدأ من الداخل، وليس بالهروب أو محاولة تغيير الخارج..

 

ومن أبرز هذه الأنواع:

1- علاقة النقد المستمر

قد تظن أن الطرف الآخر لا يكف عن انتقادك أو التقليل من شأنك، لكن لو أنصتّ جيدًا، ربما تكتشف أن بداخلك صوتًا قديمًا يردد نفس الكلمات. ربما اعتدت أن تقسو على نفسك أو تشكك في قدراتك، فجاءت هذه العلاقة لتسلط الضوء على هذا الصوت، وتمنحك فرصة لتغييره. وكأنها رسالة تقول لك: "انظر! آن الأوان أن تحب نفسك أكثر".

 

2- علاقة التحكم والسيطرة

عندما تشعر أن أحدهم يحاول أن يفرض عليك رأيه أو يتحكم في تفاصيل حياتك، اسأل نفسك: "هل أضع أحكامًا على الناس وأصنّفهم داخلي؟ هل أود السيطرة عليهم لمنعهم حتى من حقهم في الخطأ، لأن الأشخاص من حولك هم تجلي تحكمك الداخلي فيهم بالتصنيفات والرغبة في جعلهم يكونون في قوالب من اختيارك دون أن تدرك وهذه الطاقات الصادرة منك تتجلى في جذب علاقات متحكمة ومسيطرة في حياتك.

 

3- علاقة الاستنزاف العاطفي

إذا وجدت نفسك دائم العطاء بلا مقابل، فكر: "هل أُقدّر نفسي حقًا؟ هل أرى أنني أستحق أن أُحتَرم وأُحَب كما أنا؟" العلاقات التي تستنزفنا غالبًا ما تعكس حاجة داخلية للاهتمام أو تقدير الذات. عندما تبدأ في إعطاء نفسك ما تحتاجه من حب واهتمام، ستتغير ديناميكية العلاقة تلقائيًا.

 

4- علاقة الغياب العاطفي

قد تجد نفسك مع شخص حاضر بالجسد، غائب بالقلب. تشعر وكأنك تتحدث إلى جدار صامت، أو ترسل رسائل لا تصل أبدًا. في هذه اللحظات، اسأل نفسك: "هل أهرب أنا أيضًا من مواجهة مشاعري؟ هل أترك نفسي وحيدًا حين أحتاج الحنان؟" أحيانًا يكون الدرس هنا هو أن تتعلم كيف تحتوي نفسك، وكيف تمنحها الدفء والاهتمام، وكيف تواجه مشاعرك وتتعامل معها ولا تهرب منها للخارج، لأن الهروب من المشاعر المكبوتة داخليًا، يجعلك تبحث عن الراحة في أماكن في الخارج وفي علاقات ربما لا تجدها فيها.

 

5- علاقة المقارنة المستمرة

ربما تعيش مع شخص لا يكف عن مقارنتك بالآخرين: "فلان أنجح منك، فلانة أجمل، ابن الجيران أذكى..."

لو نظرت بصدق، قد تكتشف أنك أنت أيضًا تقارن نفسك بالآخرين في أعماقك، وتقلل من إنجازاتك أو ملامحك. جاءت هذه العلاقة لتذكرك أن لكل زهرة عبيرها، وأنك لن تزدهر إلا حين ترى جمالك الفريد وتحتفي به.

 

6- علاقة اللوم الدائم

إذا كنت مع شخص يلقي عليك اللوم عند كل خطأ أو مشكلة، فكر: "هل أنا أيضًا قاسٍ على نفسي؟ هل أُحمّل نفسي مسؤولية كل شيء حتى ما لا أملك تغييره؟" أحيانًا يأتي هذا النوع من العلاقات ليعلمك كيف تسامح نفسك، وكيف تتقبل أخطاءك كجزء من رحلتك، لا كوصمة تلاحقك.

 

7- علاقة الخيانة وانعدام الثقة

حين تجد نفسك في علاقة مليئة بالشكوك والغيرة، اسأل نفسك: "هل أنا واثق؟ هل أؤمن أنني أستحق الحب دون قلق أو خوف من الفقدان؟" أحيانًا يكون الدرس هنا هو بناء الثقة الداخلية، والإيمان بأنك كافٍ كما أنت، وأنك إضافة جميلة لحياة أي شخص تكون معه.

 

في النهاية، تذكّر دومًا بأن كل علاقة تدخل حياتك تحمل رسالة، وكل تجربة هي فرصة لاكتشاف جانب جديد في نفسك. وتذكّر مرة أخرى قول الله سبحانه في القرآن الكريم:

"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

فالعلاقات ليست لعنتك، بل هديتك لتتطوّر وتصبح أفضل نسخة من نفسك.

قصة ملهمة

لعل تجربة العالم المصري أحمد زويل خير مثال على ذلك، ففي بداياته الأكاديمية، واجه زويل الكثير من التشكيك والتقليل من شأنه من بعض المحيطين به، حتى شعر أحيانًا بأنه غير مُقدَّر أو أنه في بيئة لا تحتضن طموحه. لكنه بدلاً من أن يغرق في لوم الآخرين أو انتظار تغيّر الظروف، اختار أن يركز على تطوير نفسه واكتشاف قدراته الحقيقية. ومع الوقت، لم يكتفِ زويل بكسر الحلقة السلبية، بل طور نفسه حتى جاءته منحة للخارج بسبب تفوقه وظهور إبداعه، فكان الانتقال للخارج واستمر في التركيز على نفسه والتطور والتزكية حتى أصبح أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء، ليؤكد لنا أن الشفاء والتحرر من العلاقات المؤذية يبدأ من الداخل، وأن تغيير الذات هو المفتاح الحقيقي لتغيير الواقع.

التعافي من العلاقات المؤذية

التعافي من العلاقات المؤذية لا يتحقق بالتجاهل أو الهروب أو حتى الابتعاد الجسدي فقط. فكم من شخص ابتعد عن علاقة مؤلمة ليجد نفسه بعد فترة في علاقة مشابهة تمامًا، وكأن الحياة تعيد عليه الدرس بحذافيره!

السر هنا أن الشفاء الحقيقي يبدأ حين تتوقف وتسأل نفسك بصدق: لماذا جاءت هذه العلاقة إلى حياتي؟ ما هي الرسالة التي تحملها لي؟ ما الجزء الذي أحتاج أن أراه وأفهمه وأشفيه في داخلي، حتى لا يتكرر هذا النمط مرة أخرى؟

اقرأ مقال التعلق المرضي والتعامل السليم معه

 

وللقيام بذلك إليك هذا التمرين العملي:

1- اجلس في مكان هادئ، وأحضر ورقة وقلمًا.

اختر علاقة شعرت فيها بالألم أو الاستنزاف.

 

2- اسأل نفسك هذه الأسئلة وأجب عنها بصدق:

  • ما أكثر شعور تكرر لي في هذه العلاقة؟ (الإهمال، عدم التقدير، الخوف...)

  • ما الذي كنت أحتاجه ولم أحصل عليه؟

  • ما الذي تعلمته عن نفسي من هذه التجربة؟

 

3- اكتب رسالة شكر لهذه العلاقة (أو لهذا الشخص) دون أن تعطيها له بالضرورة.

عبّر فيها عن امتنانك لما كشفه لك من مناطق تحتاج للشفاء، واشكره على الدرس، حتى لو كان مؤلمًا.

 

4- ابدأ في تزكية نفسك في الجانب الذي كشفته لك هذه العلاقة.

ربما تكون الرسالة أن تكتسب المزيد من الثقة، أو تصحح معتقداتك في جانب معين، أو تتعلم كيف تضع حدودك. الرسائل كثيرة، وستكتشفها كلما غصت أعمق داخل نفسك، وجرّدت العلاقة من أي أحكام.

 

عندما تمارس هذا التمرين مع أي علاقة تعتقد أنها "سامة"، ستكتشف أن نمط هذه العلاقات سيتلاشى تدريجيًا من حياتك. فقط لأنك قرأت الرسالة، وفهمت الدرس، ولم تعد بحاجة لتكراره مرة أخرى.

هكذا تبدأ رحلة التحرر الحقيقي، وتفتح بابًا لعلاقات أكثر وعيًا وسلامًا في حياتك.

 

وإذا كنت تريد أن تتعمّق أكثر في العلاقات وأن تفهم رسائلها وسبب ظهورها في حياتك، يمكنك الانضمام الآن إلى دورة كارما العلاقات والذكاء الاجتماعي، المتاحة على موقع أكاديمية عمارة، يمكنك مشاهدة الفيديو الأول من الدورة مجانًا.

 

نصائح ملهمة مماثلة