كيف تحول التفكير السلبي إلى إيجابي ليس سؤالًا عابرًا، بل هو مفتاح لتغيير جذري في طريقة عيشك وتفاعلك مع الحياة. فالتفكير السلبي يُمكنه أن يقيّدك، يعطّلك، ويجعلك ترى العالم بلون رمادي قاتم. لكن ماذا لو أخبرتك أن بإمكانك استعادة السيطرة؟
في هذا المقال، لن نكتفي بالكلام النظري، بل سنأخذك خطوة بخطوة في رحلة داخل عقلك، لتتعلم كيف تحوّل الأفكار السلبية إلى طاقة إيجابية تصنع واقعًا جديدًا.
من أجمل الأمثلة الملهمة في تاريخنا العربي على قوة الفكرة الإيجابية، قصة ثلاثة من الأشخاص كانوا يعيشون حياة بسيطة أقرب إلى الفقر، وفي ذات يوم وبينما كانوا يجلسون في المساء بعد يوم مجهد من العمل، قال أحدهم لصديقيه: سأكون حاكم هذه الدولة، فماذا تريدون مني عندما أكون أنا الخليفة؟ فابتسموا جميعًا لسذاجة الفكرة وهم في هذا الفقر الكبير، فقال أحدهم ضاحكًا، حسنًا إن صرت أنت الخليفة فأعطني قصرًا مشيدًا وحدائق غناء وجواري حسان ومائة ألف دينار، أمّا الآخر فضحك ساخرًا وقال: إن صرت أنت الخليفة، فأمُرْ جندك أن يضعوني على ظهر حمار ووجهي إلى الوراء وأن يمشوا بي في المدينة وينادوا في الناس: إن هذا كذاب دجال محتال، ومرت الأيام، وأصبح هذا الشخص هو أحد أشهر حكام الأندلس وهو محمد بن أبي عامر والشهير بالحاجب المنصور، ثم قام بتلبية طلبات صديقيه اللذان كانا في قمة الذهول من كيفية تحقيقه لما رآه وآمن به وصدّقه.
لهذا قد بحث العلماء كثيرًا عن هذا الشيء القوي الأقرب للسحر والمتعلّق بقوة تفكيرك وقوة إيمانك بشيء ما، فإن آمنت بفكرة ما، وتخيّلتها كثيرًا وبدأت تعمل من أجلها ستصبح واقعًا، وهذا يتطلب الكثير من التركيز وعدم التشتت، ويتطلّب قدرة عالية على ضبط الأفكار وأن تكون أنت قائدها وليست هي من تقودك.

قد تتساءل لماذا يجب أن نفكر بشكل إيجابي؟ والإجابة ببساطة لأن هذه الأفكار كالبذور سوف تنمو وتشكّل واقعك!
فالواقع ببساطة ما هو إلا وقوع شيء ما (واقع أي شيء ما وقع) فما هو هذا الشيء؟
الواقع هو وقوع ما في نفسك من أفكار وإيمان وقناعات فكن منتبهًا بشدة لما تؤمن به ولما تقتنع به بشدة لأنه تدريجيًا سيقع في الخارج ويكون هو واقعك!
انظر إلى كل ما حولك الآن وحاول أن تجد شيئًا لم يكن في يوم من الأيام فكرة لديك أو لدى غيرك، أتحداك أن تجد أي شيء، فكل ما حولك قد بدأ من فكرة، قد تكون فكرة ترغب بها أو لا ترغب بها، ولكنها في النهاية فكرة.
فحسن قيادتك لأفكارك هي الخطوة الأولى التي يجب أن تعمل عليها إذا كنت ترغب في أن تعيش الحياة الرائعة التي تحلم بها، فكل شيء يبدأ من هنا.
للكلمات والأفكار قوة لا تتخيّلها، فهي السبب في أن تعيش سعيدًا مستمتعًا، وكذلك هي السبب في أن تعيش في ألم ومعاناة، ودائمًا الخيار خيارك، فالله لم يخلقك لتضع مفاتيح مشاعرك بل مفاتيح حياتك في يد أي شخص آخر غيرك أنت.
فماذا ستختار؟
هل ستختار أن تعيش يومًا جديدًا باستياء وتذمّر وأحكام على حياتك، بلدك، محيطك… أم ستختار أن تجعل اليوم بداية لمرحلة جديدة من حياتك، مرحلة تنتبه فيها إلى كل كلمة تقولها وكل فكرة تطرأ في ذهنك، وكل سعي تسعاه بناءًا على هذه الأفكار لتكون أنت القائد والمتحكم في أفكارك وليس العكس.
إذا اخترت الخيار الثاني، هنيئًا لك هذه البداية الجديدة، وأعدك بأنك مع انتهاء هذا المقال ستكون قد كوّنت رؤية واضحة تمامًا تساعدك على أن تبدأ بشكل صحيح، أمّا إذا كنت تريد أن تغوص عميقًا في التحكّم بالأفكار وتكسير أشهر أصنام العقل أنصحك بالتسجيل في دورة قوة الكلمة والتفكير المتاحة على موقع أكاديمية عمارة.
للتفكير الإيجابي العديد من الفوائد الرائعة، أبرزها:
التقليل من التوتر والقلق.
تقوية المناعة والصحة الجسدية.
تسريع جذب وتجلّي الأحداث الإيجابية في حياتك.
تحسين الأداء سواء في العمل أو الدراسة.
رفع مستوى الطاقة والنشاط.
قبل أن تتعرّف عمليًا كيف تحول التفكير السلبي إلى إيجابي دعنا في البداية نتعرف على أسباب التفكير السلبي:
أحد أكبر المؤثرات في طريقة تفكيرنا هي البيئة المحيطة، الأسرة، المدرسة، الأصدقاء، المجتمع بشكل عام، كلها عوامل أساسية تشكّل الطريقة التي نفكر بها والطريقة التي نتعامل بها مع المحيط، وتجعلنا نتبنى القناعات الأساسية التي نتعامل بها في حياتنا اليومية.
كم مرة تابعت مسلسل يقول بأن الشر ينتصر على الخير، وبأن الفقير دائمًا هو الشخص الطيب، أما الغني فهو المجرم والسارق، كم أغنية قالت لك بأن نهاية الحب هي الخيانة والخداع، وبأنك مهما أحببت شخص في النهاية سيغدر بك! وغيرها الكثير والكثير من الأفكار التي تُزرع في عقولنا بوعي أو بدون وعي، وتجعلنا مع الوقت نتبناها ونراها واقع متجلّي في حياتنا.
جميعنا مررنا بتحديات في حياتنا، ولكن في بعض الأحيان تجعلنا هذه التحديات نتبنى قناعات وأفكار سلبية ونعمّمها على كل تجاربنا القادمة، وهنا تكمن الخطورة!
قبل أن تغيّر الفكرة السلبية عليك في البداية أن تتعرّف عليها، وتجعلها واضحة أمامك حتى تتعامل معها بشكل صحيح. وأسهل طريقة للقيام بذلك هي (المشاعر)، ففي بعض الأحيان نشعر بمشاعر سلبية (حزن، خوف، قلق، توتر..) وقد نقول لأنفسنا بأن هذه المشاعر ظهرت من دون سبب، نحن فقط حزنين ولا نعرف لماذا!
والحقيقة هي أنه في الغالب لا توجد مشاعر بدون وجود فكرة مسببة لها، لذلك في المرة القادمة عندما تواجهك أي مشاعر سلبية قف للحظة مع نفسك واسأل بماذا أشعر تحديدًا، وقم بتسمية الشعور بشكل دقيق، هل هو حزن، قلق، خوف… بعد ذلك اسأل نفسك؛ لماذا أشعر بهذه المشاعر، في البداية قد لا تجد إجابة واضحة وهذا طبيعي لأنك لم تعتاد على أن تغوص عميقًا في مشاعرك، ولكن مع الوقت سيصبح الأمر أسهل بكثير، عندما تحصل على إجابة اسأل لماذا مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتى تصل إلى إجابة واضحة تكون عبارة عن معتقد أو فكرة جعلت هذه المشاعر تخرج.
لنأخذ مثالًا لتوضيح الأمر أكثر..
كانت سارة ترغب في الحصول على موبايل جديد بعد أن رأته مع صديقتها، طلبت من زوجها أن يشتريه لها، ولكنه قال لها: حبيبتي أرى بأن هذا ليس ضروريًا الآن، هاتفك ما زال جيدًا ونحن لدينا أولويات أهم نحتاج إليها، ثم ذهب إلى عمله، وشعرت سارة بحزن شديد وإحباط بعد ذلك..
لنحلل معًا ما حصل..
جلست سارة مع نفسها وبدأت تسأل السؤال السحري (لماذا)
١- لماذا أشعر بالحزن؟ لأنه لا يريد أن يشتري لي موبايل جديد
٢- لماذا لا يريد أن يشتري لي موبايل جديد؟ لأنه بخيل ويبخل علي بشيء أحبه
٣- لماذا يبخل علي؟ لأنه لا يحبني بالقدر الكافي الذي يدفعه لفعل ما أريد
٤- لماذا لا يحبني؟ لأنني غير كافية وليس لي قيمة
إذًا ما سبب الألم لسارة ليس الموبايل نفسه، إنما فكرة تقول (أنا غير كافية ولا قيمة لي)، وهذا ما يحدث معنا في كل يوم سواء كنا واعيين لذلك أم لا، جذر أي شعور سلبي هو فكرة، وكل ما عليك فعله هو أن تغوص عميقًا داخل نفسك حتى تجد هذه الفكرة.
الغريب أن سارة لن تنتبه إلى أنها ستجذب لحياتها واقعًا بتفاصيل ومواقف كثيرة تتمحور حول أنها (غير كافية ولا قيمة لها) وستجد ذلك في علاقاتها مع معظم من حولها وهي لا تدري أن هذا هو وقوع قناعاتها الداخلية السلبية!

بعد أن تعرّفنا على الفكرة وحدّدناها بدقة، الآن حان الوقت لكي نناقش هذه الفكرة، نحللها، ونفككها، بطرح بعض الأسئلة..
هل هذه الفكرة صحيحة بنسبة 100%؟
من قال أنني غير كافية؟ هل هذا صوتي أنا أم صوت شخص آخر من الماضي؟
هل يمكن أن تكون هذه مجرد فكرة تبنيتها من تجربة معينة ولم أعد أراجعها.
هل هناك دلائل في حياتي تثبت أنني شخص ذو قيمة وكفاءة؟
هل الجميع يراني غير كافية، أم أن هناك من يقدّرني ويحترمني؟
هل من الصحيح أن آخذ قيمتي من آراء الآخرين، أم يجب أن آخذ قيمتي من خالقي، الذي جعلني خليفته في الأرض، وهذه هي قيمتي الحقيقية!
إجابتك على هذه الأسئلة ستُضعف تأثير الفكرة وبالتالي ستلغي تأثيرها عليك، ومرة تلو أخرى بعد اعتيادك على عملية تحليل الأفكار ومناقشتها ستجد بأن عقلك سيكون يقظ لأي فكرة تدخل إليه ولن يسمح بدخول الأفكار السلبية مباشرة دون انتباه منك لتجعلك تشعر بالمشاعر السلبية فجأة ودون سابق إنذار!
إن تدرّبت على ذلك تستطيع تحويل أي أفكار سلبية داخلك إلى أفكار إيجابية، وسوف تلمس بصورة سريعة تحسّنًا كبيرا في مشاعرك، ثم بعدها ستبدأ أفكارٌ ملهمة في الظهور في عقلك، إن قمت بهدوء ونفّذت هذه الإلهامات وسعيت السعي الصحيح ستجد في النهاية أن الواقع قد تغيّر تماما بسبب فقط انتباهك للأفكار السلبية وتعديلها وتبنّيك للأفكار الإيجابية التي تريد أن تراها واقعًا في حياتك..